وعليه نعود الآن للإجابة على السؤال نفسه: ما وظيفة الجيوش الغربية في ظل الوفاق، ولكن من وجهة النظر الأمريكية؟!
نشرت
جريدة الحياة في 26/12/1410هـ أي قبل غزو
الكويت بحوالي 17 يوماً فقط موضوعاً بالغ الأهمية بعنوان كبير هو: (وظيفة جديدة للقواعد بعد تحول دورها من شرق
أوروبا إلى
الشرق الأوسط!) ومنه:
(وفي نظر جميع المراقبين والمحللين فإن منطقة
الشرق الأوسط تأتي في مقدمة المناطق العالمية التي تزداد أهميتها وترتفع سخونتها، وهي مرشحة إلى أن تكون منطقة اصطدام واحتكاك مع
أمريكا...).
وعلى هذا تحولت القواعد الأمريكية في
جزيرة كريت من موقع المراقبة والرصد لدول حلف وارسو سابقاً إلى مراقبة دول الشرق الأوسط وضفاف المتوسط الجنوبية التي تموج بمختلف التفاعلات والتطورات الحادة، وتنذر باضطرابات وانفجارات عنيفة، لذلك لم تتضاءل أبداً أهمية هذه القواعد، بل ربما زادت بسبب القرب الجغرافي من الهدف الجديد، وقلة القواعد الموجهة نحو الشرق الأوسط و
الخليج عموماً وشمال
أفريقيا خصوصاً...
ولما كان هذا الموضوع كتب تعليقاً على الاتفاقية الجديدة بين
أمريكا و
اليونان بشأن قاعدة
كريت تعرضت الجريدة للآراء المعارضة والمحللة فقالت: '' أما البيان الذي أصدره تحالف اليسار المعارض فقد قال: إن الاتفاقية الجديدة ستجعل من
اليونان طرفاً مباشراً في المخططات الحربية الأمريكية ضد الدول العربية، وحذر من ردود فعل الدول العربية على اليونان!! ''.
ووقف المحللون عند بند جديد يتضمن السماح "لأي طيران حربي آخر باستخدام القواعد بموافقة
أمريكا فقط"، وقالوا: إن هذا إشارة إلى الطيران الإسرائيلي!!
"ورأى المحللون العسكريون اليونانيون أيضاً... أن الاتفاقية تعني حق
أمريكا في استخدام
كريت من قِبَل قوات التدخل السريع التي شُكِّلت لحماية منابع النفط" ا هـ.
كما نشرت
مجلة الأمل في عدد ذي الحجة 1410هـ مقالاً بعنوان "إلى أين ستذهب الأسلحة التي كانت تُصنع لحساب
أوروبا، وذكرت منها مثلاً 930 دبابة من طراز إم60، وقالت: '' الإجابة سهلة في
واشنطن حالياً هي أن تُرسل هذه الأسلحة إلى العالم الثالث وبخاصة إلى الشرق الأوسط ''.
وفي هذا المسار نشرت
مجلة البلاغ الإسلامية الكويتية في 16 ذي الحجة 1410هـ -أي قبل الغزو بحوالي 25 يوماً- مقالاً مؤثراً بعنوان: هل انتهت الحروب الصليبية؟
قالت فيه: '' اليوم تتوالى الأخبار التي يخيل للسامع أنها ليست إلا بيانات عسكرية في معركة طاحنة تدور رحاها بصمت عجيب ''.
وتعرضت فيه للفكرة التي طُرحت في الغرب ونشرت عنها
الفايننشال تايمز وهي: إقامة عمود دفاعي أوروبي ضد العالم الإسلامي!
بل نشرت الصحافة الأمريكية أن دول
البلقان مثل:
اليونان و
بلغاريا قد تصبح '' دول مواجهة في
أوروبا ضد انتشار التطرف الإسلامي ''.
وأنذرت صحافة
أمريكا عدوها النووي "
الاتحاد السوفييتي" باحتمال وقوع الأسلحة الذرية في الجمهوريات الإسلامية السوفيتية في أيدي متطرفين مسلمين، وأن ذلك يعتبر تهديداً خاصاً للبشرية والعالم المتمدن .
وقالت: '' إن المتطرف يأتي من الصحراء والمبدع يأتي من الغابات، وربما كان هذا هو الفارق الأكبر بين الشرق والغرب ''.
وقد علَّق المحامي الأمريكي الذي أورد هذه النصوص بعنوان "إعلام
أمريكا وخطر المسلمين" قائلاً:
''بالترويج لخطر المسلمين لا بالنسبة إلى الدول الغربية فحسب، بل حتى إلى
الاتحاد السوفييتي يرى المرء تقارباً بين مصالح الأعداء القدامى الذين كانوا يشتبكون في الحرب الباردة، ويُحتمل أن تتردد القضية الجديدة عن الخطر الإسلامي على العالم المتمدن أكثر فأكثر في المستقبل ''.
وفي الوقت نفسه جرى الإعلان أيضاً عن وظيفة جديدة للمخابرات الأمريكية في ظل الوفاق (وهي قديمة في الواقع) فقد أذاعت هيئة الإذاعة البريطانية في برنامج عالم الظهيرة في أواخر ذي القعدة الماضي ما نصه تقريباً:
'' إن الجهد الرئيسي للمخابرات الأمريكية الذي كان منصباً لمراقبة إمبراطورية الشر -يعني
الاتحاد السوفييتي- سيتجه أساساً لمراقبة الجماعات الأصولية في العالم الإسلامي ووضع العقبات والعراقيل أمامها ''.
وأذاعت تعليقاً لـ
صحيفة الفايننشال تايمز قالت فيه:
'' إذا كانت
أمريكا تشجع الاتجاهات
الديمقراطية في شرق
أوروبا ودول العالم الثالث؛ فإنه يجب عليها ألاَّ تشجع تلك الاتجاهات في العالم الإسلامي؛ لأنها بذلك تدفع -دون أن تدري- بالأصوليين إلى تسلم زمام السلطة في ذلك العالم!!'' .
وفي أثناء الإعلانات والشعارات المعسولة عن السلام العالمي القريب وحرية الشعوب في الحرية والاستقلال و
الديمقراطية... إلخ. فجَّر الرئيس
ميتران قنبلة صليبية مذهلة حين قال: '' إذا نجح الأصوليون في حكم
الجزائر فسوف أتدخل عسكرياً كما تدخل
بوش في
بنما !! "
.
والواقع أن مثار الذهول ليس مجرد تهديد بالتدخل فقد تدخلت
فرنسا فعلاً في دول كثيرة منها: "
زائير، ووسط
أفريقيا، و
ساحل العاج، و
تشاد، و
الجابون" ولكنه في الجراءة على إعلان بعض مخططات الغرب السرية وإشهار الحرب الصليبية الذي يزيد الصحوة الإسلامية اشتعالاً، ومن هنا كان تراجع
ميتران الحاد في موقفه؛ إلا أن ذلك لم يمنعه من التصريح بأن '' الانتفاضة الفلسطينية خطر يهدد المنطقة كلها بوباء التطرف ''
.
وفي هذا المسار تأتي تصريحات
ميتران وغيره من المسئولين الفرنسيين في معرض الدفاع عن الموقف الفرنسي المؤيد
للعراق، وهي تصريحات متكررة مضمونها: إننا كنا نساعده لأنه يحارب الأصولية الإسلامية التي تمثل تحدياً أكبر لمصالحنا.
وقد ورد عن مسئوليين أمريكيين قبل الأزمة الحالية قولهم:
إن
أمريكا ترى في
العراق عاملاً قوياً في صد التوسع الإسلامي في المنطقة (إذاعة صوت أمريكا).
وفي غمرة هذه الإعلانات والتصريحات التي اجتاحت الإعلام الغربي في الشهور الأخيرة جاء الحديث المكشوف لـ
الأمير حسن ولي عهد
الأردن، أعلن
الأردن لصحيفة
نيويورك تايمز الذي قال فيه:
'' إنه ينبغي إجراء محادثات بين المعتدلين العرب والإسرائيليين؛ لأن الخطر الحقيقي للسلام يكمن في تنامي الأصوليين، وقال: إن العدو الحقيقي هو تصاعد الأصوليين والتطرف حيث المتطرفون اليهود من جهة والمد الإسلامي الذي يؤثر على السياسات الممتدة من عبر
أفغانستان و
لبنان وشمال
أفريقيا، وقال: (يتصاعد نشاط المتطرفين في الانتفاضة الفلسطينية في
الضفة الغربية و
قطاع غزة "
.